اتمنى ان لا يفهم من بعض كلامي أنني أتحامل على بعض الجهات,
لكنه انعكاس للواقع الذي عايشت الكثير منه عن كثب ورصد لبعض
مما عايشه غيري.
وان حدت قليلا او كثيرا عن المنهج الأكاديمي الصرف عند تناولي لهذا
الموضوع فإنما ذلك ليس تعمدا مني ولكن إلحاح الواقع الذي يتمنى
الكثيرون تغيره إلى الأفضل قبل فوات الأوان.
تعريف الاختراع
ليس هناك تعريف محدد للاختراع تتقيد به كل الجهات المعنية به.
فتجد مثلا صياغة تعريف الاختراع تختلف من عالم متخصص عن
عالم آخر ومن دولة ما عن دولة أخرى, مما يجعل بعض المهتمين
بهذا المجال في حيرة من أمرهم.
وهناك من يجد الصعوبة في التفريق بين مفهوم الاختراع والاكتشاف
كالعالم "كروبر" والعالم "هاري سون" .
إلا أننا في هذه العجالة لن نغوص عميقا في بحور التعريف الواسع
ومتاهاته, ويكفي أن نركز هنا على نقاط عامة متداولة ومتوافقة المفهوم
وان اختلفت الصياغة اللغوية او المرامي القانونية او الأسلوب في ترتيب
التعريف حسب الأهمية.
وقد تعطي هذه الفضفضة في التعريف لبعض الجهات العاملة فيه مجالا
للمناورة تحصد من خلاله فوائد علمية او تجارية او لحاجة في أنفسهم
(وهذه النقطة الأخيرة قد نتطرق إليها فيما بعد إن شاء الله).
ربما الدوافع السياسية والعسكرية تلعب اليوم دورا كبيرا في توسيع هوة
إشكالية التعريف لتلك المفاهيم أكثر من الدوافع الأخرى.
ولتوضيح مفهوم الاختراع أكثر قد نجد ترادفا او قل تشابها لهذا في المجال
الأدبي, مثل أن تكون الكلمات في لغة ما موجودة أصلا ومتداولة, لكن من
يخرج لنا بحكمة او شعر او...نتيجة ترتيبه للكلمات بطريقة معينة يعبر او
يصف موقف معين مألوف فان هذا لا يلفت انتباهنا فحسب بل يثير إعجابنا
إلى درجة وصف العمل بالإبداع.
(وكانت كلمة الابتداع هي المستعملة قديما قبل أن تستبدل بالمفاهيم الحديثة).
ومن هنا نلاحظ أن كلمة إبداع (التي غالبا ما تستخدم في المجال الأدبي)
تبدوا الكلمة المرادفة او المقابلة لكلمة الاختراع التي باتت تستخدم في
المجال العلمي التطبيقي).
وفي الثقافة العربية غالبا ما يدخل الاختراع تحت عباءة الإبداع إلا
أن الكلمة الأخيرة تستخدم بشكل واسع في المجال الأدبي.
في الغالب الأعم ليس الاختراع بعيدا عن الإبداع وان كان مجال
التطبيق لكل منهما يوسع بعد التعريف بينهما.
والمخترع لا يأتي بالأشياء من العدم لكنه يتمكن من اقتباس الأشكال
او الحركات الميكانيكية وغيرها من محيطه الطبيعي او الصناعي
ويحسن استخدام واستغلال الموجود من الأشياء الأولية او الوسائل
ليخرجها في شكل جديد ودور جديد.
فالاختراع إذا إن جاز لنا محاصرة بعض جوانبه المتداولة بالقول :
هو عبارة عن تقليد او تنمية او استغلال واعي, بعيدا
عن الصدفة إلى حد ما (عند تنفيذه), لبعض الظواهر الطبيعية
او الثقافية القائمة, بشكل مباشر لبعض منها, وبشكل غير مباشر
للبعض الآخر.
فالطيور هي التي أوحت للإنسان بفكرة صناعة الطائرة التي تعتبر
بدائية جدا مقارنة بها. فالجناح في للطيور يقوم مقام الدفع والتحكم في
التوازن وأشياء أخرى وهذا بأقل طاقة في حين أن الطائرة...
إن خلاصة ما سبق ذكره وما سوف نورده لاحقا يفرض علينا أن نطلق
بعض التعريفات بلا تردد وليس لأنه يوجد تعريف مثله متعارف عليه بذات
المصطلح, إلا انه يوجد مفسرا بعدد كبير من الصفحات.
فالواقع يجبرنا بعض الأحيان أن نسمي الأمور بمختصر جديد لمسميات
ظلت مشتتة في الواقع ومفسرة بكلمات تملا الصفحات تنتظر من يتشجع
ليضعها في قولبها المناسب الذي قد يعارضه البعض ويوافق عليه البعض
الآخر, كما يحدث مع أشياء كثيرة في الحياة.
لكن المهم هو أن يعبر ذلك المفهوم عن ما في الواقع ويزيل عنه الغشاوة
ليطابق بذلك ما يكمن في صدور من تحاول التعبير عنهم
ممن تعثر في فيهم التعبير.
الى اللقاء