وقفات مع المحطات السياسية في تاريخ صدام حسين
السيد أبو داود
ليس هذا هو يوم الفرح والشماتة في صدام حسين..؛ ولكن لعله يوم تفتح فيهالسجلات للحساب والتاريخ ، ولو أننا نسجل ابتداءً أن وقفة صدام حسين ضد الاحتلالوالتسلط بقيادة الأمريكان وإمساكه بالسلاح مدافعًا عن بلاده, قد غفر له كثيرًا منجرائمه التي ارتكبها في حق شعبه وفي حق عروبته.
وقد كانت حياة صدام حسين مليئةبالأحداث؛ فهو لم يعرف السكوت والصمت والراحة.. منذ قدم من قرية قرب تكريت شمالالعراق عام 1957, وانتمى إلى حزب البعث الذي كان يبشر بفكرة الاشتراكيةالعربية.
في عام 1959 شارك صدام حسين الشاب في محاولة لاغتيال عبد الكريم قاسم, وهو الضابط الذي أطاح بالملكية في العراق وأقام النظام الجمهوري عام 1958.
وفرصدام حسين إلى مصر بعد فشل محاولة الاغتيال, ووصل القاهرة عام 1960 بعد رحلة شاقةإلى سوريا.
وفي مصر التحق بالصف الخامس الإعدادي بمدرسة قصر النيل للحصول علىشهادة التوجيهية، وسكن في حي الدقي، وانتسب إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961، ولكنه لم يكمل دراسته؛ فقد عاد إلى بغداد في أعقاب الانقلاب الناجح لحزبالبعث عام 1963، والذي أسفر عن الإطاحة بعبد الكريم قاسم وتنصيب عبد السلامعارف.
لكن الحياة لم تصفُ لصدام؛ فقد انقلب عبد السلام عارف على حزب البعث ووضعصدام في السجن, لكن صدام تمكن من الهرب من السجن عام 1966 وانتخب عضوًا في القيادةالقطرية ومساعدًا للأمن العام لحزب البعث, الذي تمكن في عام 1968 من السيطرة علىالحكم عبر انقلاب عسكري.
وأصبح اللواء أحمد حسين البكر رئيسًا للجمهورية وصدامحسين نائبًا للرئيس، وكان عمره وقتها لا يزال 31 عامًا.
وبعدما أصبح نائبًاللرئيس أجرى صدام حسين إصلاحات واسعة النطاق وأقام أجهزة أمنية صارمة، وعقد معاهدةتفاوض وصداقة مع الاتحاد السوفيتي وأمم شركة النفط الوطنية، واستثمرت العراق فيعهده أموال النفط في الصناعة والتعليم والعناية بالصحة, مما رفع المستوى المعيشي فيالعراق إلى أعلى مستوى في العالم العربي.
بدايات ظهور كاريزما صدامحسين
وكانت ثورة الأكراد في شمال العراق عام 1974 ضد الحكومة العراقية فرصتهلتنامي سيطرة صدام حسين على الأمور في العراق؛ فقد كان هناك نزاع على شط العرب بينالعراق وإيران وكانت إيران (في عهد الشاه) تساعد الأكراد مما ساعد على تفاقم القتالوموت مئة ألف عراقي من الأكراد والعرب ما بين عامي 1974 إلى 1975. وتدخلت الجزائروتم توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 بين إيران والعراق كان من بنودها تقسيم شطالعرب بين الطرفين وامتناع إيران عن مساعدة الأكراد وأن تقوم العراق بطرد الخمينيمن النجف، ووقع الاتفاق عن الجانب العراقي صدام حسين.
صدام والخميني وجهًالوجه
توقف القتال بعد توقف مساعدة إيران للأكراد، وجاء الدور على العراق لتفيبالتزاماتها وتطرد الخميني من أراضيها؛ فرفض الخميني الانصياع وقرر البقاء، فذهبإلية صدام شخصيًا واحتد النقاش بين الطرفين، وقيل إن صدام اعتدى في هذا اللقاء علىالخميني وأمر بطرده شر طردة إلى الكويت ومن هناك إلى فرنسا.
ومع اندلاع الثورةالإيرانية عام 1979، ومجيء الخميني مظفرًا خاف صدام وأدرك أن الخميني سيقتص منه ولنيتركه، وكان هذا من العوامل التي دفعته إلى اتخاذ القرار الخطير والخاطئ بشن الحربعلى إيران ابتداءً من عام 1980 والتي استمرت 8 سنوات استغل فيها صدام ارتباك الجيشوالإدارة في إيران بعد الثورة ودخلت قواته مسافات طويلة داخل العمق الإيراني لا تجدمن يصدها.
وهكذا فقد مزق صدام حسين اتفاق الجزائر الذي وقعه هو بنفسه مع شاهإيران, واستعاد العراق نصف شط العرب الذي تنازل عنه لإيران بموجب هذاالاتفاق.
لكن على أية حال من الأحوال؛ فإن وجهات النظر حول الدافع للغزو العراقيلإيران تفاوت بين الاعتقاد بأن السبب هو التململ الشيعي الداخلي الذي وصل ذروته إلىحد محاولة اغتيال طارق عزيز نائب رئيس الوزراء في إبريل 1980، والرغبة في الدفاع عنبلدان المنطقة من تصدير الثورة الإيرانية، وانتهاز فرصة ضعف إيران بعد الثورةلتحقيق المزيد من النفوذ والسلطة، ونحن نضيف هنا واقعة العداء الشخصي بين صداموالخميني.
مذبحة حلبجة والوجهالإجرامي لصدام
ما إن وضعت الحرب بين العراق وإيران أوزارها، وما ان اشتم صدام حسين رائحةتململ الأكراد حتى انقض عليهم في عام 1988 في مذبحة حلبجة التي راح ضحيتها في اليومالأول 5 آلاف قتيل، وفي الأيام التالية 15 ألف قتيل.. ماتوا بعد أن ألقيت عليهمالقنابل الكيماوية.
العجيب أن الدول العربية التي كانت تناصر صدام حسين فيعدوانه على إيران لم تفتح فمها احتجاجًا على مذبحة حلبجة!.
وقد أتيحت الفرصةلكاتب هذه السطور أن يرى القرية وقد تحولت إلى رماد؛ بل إنني شاهدت القوات العراقيةوهي تهدم العديد من القرى الكردية.
فقد دمر الأكراد خزانًا للمياه بنته الحكومةالعراقية, فاعتبر صدام أن ذلك اعتراض منهم على سياساته، فكانت السيارات تخرجبمكبرات الصوت تطلب من أهالي القرية ترك منازلهم والهروب؛ لأن القرية سيتم تدميرهابالكامل.
العجيب أنني رأيت مسجدًا في هذه القرية قد دمر هو الآخر ولم يبق منهإلا صنابير المياه التي توضأنا منها!.
وإذا كانت نزعة الاستقلال موجودة فعلاًعند الأكراد وأنهم كانوا يتحينون الفرصة للخروج من قبضة نظام صدام؛ فإن صدام استخدمطرقًا لا إنسانية لتطويع الأكراد وقهرهم, في وقت لا ينفع فيه إلا الجدل السياسيوالعمل السياسي.
فنحن هنا نرفض الفعل الصدامي اللامبالي بحياة الإنسان. وإذا كانصدام قد فعلها بالغازات السامة والقنابل الكيماوية مع الأكراد، فإنه فعلها من قبلمع الجيش الإيراني حين حرر خورمشهر واحتل شبه جزيرة الفاو وأصبح قاب قوسين أو أدنىمن البصرة ، هنا أمر صدام طياريه بإفراغ حمولات طائراتهم من الغازات الكيماوية علىالقوات الإيرانية، ولولا ذلك لما سلّمت إيران، ولما أعلن الخميني أنه يتجرع السمويقبل وقف إطلاق النار من طرف واحد .
خطيئة غزوالكويت
كان يمكن أن يمر عدوان صدام على إيران وكذلك مذبحة حلبجة ضد الأكراد، وقمعهللشعب العراقي مرور الكرام، وبصمت عربي مطبق، إلا أن الخطيئة التي دفع صدام ثمنهاغالياً كانت غزو الكويت عام 1990م، بزعم أن الغزو تأييد لانتفاضة مزمعة ضد أميرالكويت لكنه لم يستطع أن يفسر للعالم قتل الكويتيين وسرقة أغراضهم وبيوتهم.
ولقدجاء الغزو وسط أزمة اقتصادية حادة كان يعيشها العراق بسبب الديون التي تراكمت عليهعقب انتهاء حربه مع إيران.
ومع ذلك فنحن نؤكد هنا أن الغزو لم يكن من بنياتأفكار صدام حسين، وإنما هي فكرة موجودة لدى كثير من العراقيين، وظهرت للوجود منذالعشرينيات، ولكن جرأة صدام وطموحه دفعاه إلى هذه المغامرة الخائبة.
وكان الغزوطعماً أمريكياً لصدام ليقع في الفخ... وجاء القرار الخائب عقب مقابلة لصدام معالسفيرة الأمريكية في بغداد، أوحت له أن بلادها لن تتدخل إذا غزت العراقالكويت.
ووقع صدام في الفخ ليتم تدمير الجيش العراقي ، الذي كان الأمريكانوالصهاينة يخافون منه، بعد أن اكتسب خبرات كبيرة نتيجة القتال لمدة 8 سنوات مع جيشفي حجم الجيش الإيراني.
ومنذ الغزو وصدام يدفع الثمن يومياً، والخناق يزداد عليهيوماً بعد يوم، حتى وقع في الأسر الأمريكي.. وأوقع معه الشعب العراقي والترابالعراقي في أسر البرابرة الأمريكان.
صدام وشيعة العراق
إذا كان صدام قد اعتمد بشكل كبير على السُّنة في تدعيم دولة البعث؛ فإنالوجود الشيعي لم يكن غائباً عن السلطة في العراق، لكن الحوزة العلمية الشيعية فيالنجف ناصبت صدام العداء من أول يوم ولم تتعاون معه، وقد كان عنف صدام وفظاظته هماسبب ذلك، كما أن سياسة صدام ضد زعماء الشيعة الذين يختلفون معه كانت التصفية أوالإبعاد.. وهذه ليست أدوات سياسية تحل الخلاف؛ ولكنها أفعال تكرس العداء.
ومنهنا فلم يكن غريباً أنه بعد قبول العراق لقرار وقف إطلاق النار بعد العدوان علىالكويت، أن تبدأ الانتفاضة الشيعية على أمل التخلص من صدام حسين.
[size=16]ولم تمد أمريكايد العون للشيعة لأنه من ناحية لم تكن هناك خطط للتخلص من صدام؛ ولأنه كان يراد أنيظل العراق ينزف 13 سنة حتى تتحقق